تونس: خمسة أعوام على الثورة وما يزال انتقالها العسير ملهماً
By Ammar Abu Zayyad

يتراءى للمرء في الذكرى الخامسة للثورة في تونس الكثير من الأسباب التي تدعو للاحتفال، والكثير من التجارب لاستخلاص الدروس والكثير من الدروس التي يمكن لبلدان الجوار استخلاص العبر منها، فالاضطرابات التي تشهدها المنطقة والتحول الديمقراطي المتقطع في تونس يجعلان من السهل تبني نظرة متشائمة نحو المستقبل، إلا أنه ومهما بدت الأمور سوداوية، ما من خيار سوى متابعة مسيرة الحرية والعدالة الاجتماعية التي تقودها تونس بكل إصرار.
لقد لعب المجتمع المدني في تونس دوراً رئيسياً في توجيه البلاد نحو الحوار والتوافق وذلك بدءاً من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة وانتهاءً باللجنة الرباعية للحوار الوطني، ففي العام الماضي، مُنحت اللجنة الرباعية جائزة نوبل للسلام "لمساهمتها الحاسمة في بناء دولة ديمقراطية تعددية في تونس في أعقاب ثورة الياسمين التي اندلعت عام 2011." والجدير ذكره بأن اللجنة الرباعية هي عبارة عن ائتلاف يضم جماعات من المجتمع المدني تشكل صيف عام 2013 عندما كانت تونس تتأرجح بين الديمقراطية والفوضى. وبعيداً عن الأزمة السياسية، ما يزال المجتمع المدني يواصل أعماله في مختلف المجالات لبناء ثقافة الحوار والمشاركة المدنية وتعزيز برامج الإصلاح والتأكيد على مبادئ المساءلة.
ومن الضروري بعد تحقيق مثل هذه النجاحات الحفاظ على دور المجتمع المدني في تونس والتأكيد على التزام الحكومة بمبدأ حرية تكوين الجمعيات. كما يمكن لتونس بأن تصبح مثالاً يحتذى به وذلك من خلال تحقيق التوازن بين ما سبق والتدابير التي تضمن الشفافية والمساءلة، إذ أن الحكومات كثيراً ما تستخدم الغياب المزعوم لهذين المبدأين لتضييق الخناق على المجتمع المدني في المنطقة، إلا أنه اليوم بإمكان تونس أن تثبت للعالم بأنه من الممكن تحقيق دينامية أكثر إيجابية.
ولتحقيق هذا الهدف يحتم الموقف وجود قيادة صلبة. وفي الوقت الذي تنفخ فيه البلاد الروح في دستورها، وتعمل على تحديد الممارسات الديمقراطية، وتسعى إلى إيجاد الحلول لجميع التحديات التي تسيطر على المشهد، يتوجب على التونسيين أنفسهم تطوير الرؤية لبلدهم. كما أن المشاركة التي يقوم بها المجتمع المدني في تونس لا تقدر بثمن إذ أنها تهدف إلى إيجاد حلول جديدة بمشاركة من مختلف الجهات الفاعلة في البلاد بما في ذلك الحكومة والبرلمان.
وبغية تسهيل هذا الأمر، هناك حاجة إلى دعم كبير من مختلف الحكومات والهيئات الحكومية الدولية لتنفيذ الحلول الخاصة بالتنمية الاقتصادية والتهديدات الأمنية والإرهاب تماشياً مع الرؤية التونسية. كما يمكن للمجتمع المدني ومؤيديه المساهمة في بناء جسور التواصل بين التونسيين ونظرائهم في حركات المجتمع المدني في المنطقة العربية والعالم، فالمنظمات الإقليمية مثل الأورومتوسطية للحقوق ومؤسسة كارنيغي للسلام تلعب دوراً هاماً في تزويد صانعي القرار بفهم أفضل للتحديات وبالخيارات السياسية المختلفة للتصدي لها وذلك على أساس المدخلات التي يتم الحصول عليها من التونسيين. أما على الأرض، يقوم المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية بالإضافة إلى جهات أخرى باحتضان الحوارات، ويعمل على تطوير حلول جديدة ومبتكرة للمشاكل المعقدة.
ولقد سال حبر كثير في دراسة وتحليل كيف غيرت الثورات العربية وجه المنطقة، إلا أن الأمر الذي لا يمكن إنكاره هو اعطائها المواطنين العرب أصواتهم، وهو من أبهر منجزاتها. ومع ذلك، ستبقى مسألة نيل حرية التعبير نصراً أجوفاً دون احتضان الحوارات وإجراء الدراسات اللازمة التي ستقود تونس والمنطقة في نهاية المطاف إلى مستقبل أفضل. لقد شكلت قدرة تونس على التعلم والتكيّف والتأقلم مصدر إلهام، فهذه العملية، فضلاً عن السعي المتواصل لإيجاد الحلول رغم كل الصعاب، هو في حد ذاته مدعاة للاحتفال.
Until December 2018, Ammar Abu Zayyad was the executive director of the Open Society Foundations Arab Regional Office in Amman.